عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٤

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٩

وتفسير معناه : كانوا يهجعون قليلا من الليل. و «ما» مصدريّة ، أي كانوا قليلا هجوعهم. وقال الراغب (١) : وذلك يصحّ أن يكون معناه : كان هجوعهم قليلا من أوقات الليل. ويجوز أن يكون معناه : يهجعون هجوعا قليلا. ولقيته بعد هجعة ، أي نومة. ورجل هجع كقولهم نوم ، أي كثير [النوم].

فصل الهاء والدال

ه د د :

قوله تعالى : (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا)(٢). الهدّ : هدم له وقع. وهدّدت البقرة : أوقعتها للذّبح. والهدّ : المهدود كالرّعي والطّحن. وقولهم : ترجّل هدّك من رجل ، أي كافيك. ولكونه في تأويل الصّفة وصفت به النكرة مضافا لمعرفة. وحقيقة الكلام أنّه لرجوليّته يهدّك ويزعزعك وجود مثله. وهدّدت فلانا وتهدّدته ، أي زعزعته خوفا بالوعيد. والهدهدة : تحريك الصبيّ لينام. والهدهد : طائر معروف ، وجمعه هداهد ، بفتح الهاء. وأمّا الهداهد فمفرد ؛ قيل : هو الحمام الكثير ترجيع الصّوت. وأنشد (٣) : [من الكامل]

كهداهد كسر الرّماة جناحه

يدعو بقارعة الطّريق هديلا

والهدّ بالكسر : الجبان الضّعيف ، لأنه كما تقدّم بمعنى المهدود.

ه د م :

قوله تعالى : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ)(٤) الهدم : نقض البناء وإسقاطه. ومنه : دم هدم ، أي هدر. والهدم بمعنى (المهدوم كالنّقض والذّبح ، ولكنّه اختصّ بالثوب البالي ، وجمعه أهدام. وفي الحديث :) (٥) «أنّ أبا الهيثم بن النّبهان قال : يا رسول الله إنّ بيننا وبين القوم حبالا نحن قاطعوها ، ونحن نخشى إن الله أعزّك وأظهرك أن ترجع إلى قومك. فتبسّم

__________________

(١) المفردات : ٥٣٧.

(٢) ٩٠ / مريم : ١٩.

(٣) البيت للراعي ، اللسان ـ مادة هدد ، ومن غير عزو في المفردات : ٥٣٨.

(٤) ٤٠ / الحج : ٢٢.

(٥) ساقط من ح ، ولعله من تصوير آخر السطر.

٢٨١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بل الدّم والهدم الهدم» (١). وروى ثعلب عن ابن الأعرابيّ «الهدم» بفتح الدال. تقول العرب : «هدمي هدمك» بفتح الدال (٢). يقال ذلك في النّصرة. وقال أبو عبيد : يقال : هو الهدم واللّدم. وأنشد (٣) : [من الرجز]

ثم الحقي بهدمي ولدمي

أي بأصلي وموضعي. قال : وأصل الهدم ما انهدم كالقبض والنّقض. ومعنى قولهم : دمي دمك ، إن قتلني إنسان طلبت بدمي كما تطلب بدم وليّك (٤). وهدمي هدمك ، أي من هدم لي عزّا وشرفا فقد هدمه منك. وفي الحديث : «كان يتعوّذ من الأهدمين» (٥) قال : الأهدمان : أن ينهار عليك بناء أو تقع في بئر أو هوّة.

ه د ي :

قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ)(٦) يطلق ويراد به الدّعاء ، كقوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٧) أي داع. ويراد به الدّلالة كقوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٨) أي دلّنا إليه وأرشدنا إليه. وهوادي الخيل : متقدّمها ، وكذلك الهاديات (٩). ومنه قول امرىء القيس (١٠) : [من الطويل]

كأنّ دماء الهاديات بنحره

عصارة حنّاء بشيب مرجّل

وهديته إلى كذا : أوصلته إليه ؛ قال تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)(١١). قوله

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٥١. ويروى بفتح الدالين في «الهدم». ولقوله (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) آراء عديدة.

(٢) يقولون : دمي دمك وهدمي هدمك.

(٣) اللسان ـ مادة هدم.

(٤) أي : ابن عمّك وأخيك.

(٥) النهاية : ٥ / ٢٥٢.

(٦) ٥ / البقرة : ٢.

(٧) ٧ / الرعد : ١٣.

(٨) ٦ / الفاتحة : ١.

(٩) وفي ح : الهدايات.

(١٠) الديوان : ٣٩ ، من أواخر المعلقة.

(١١) ٢٣ / الصافات : ٣٧.

٢٨٢

تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(١) أي لا تخلق في قلبه الهدى. فلا منافاة بينه وبين قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ)(٢) : معناه : تدعو إلى صراط. قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى)(٣) أي الدّلالة على الحقّ.

قوله : (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً)(٤) أي دليلا يدلّني على الطريق. وقال الراغب (٥) : الهدى : دلالة بتلطّف ، ومنه الهديّة. وهوادي الوحوش : المتقدّمات الهادية لغيرها. وخصّ ما كان دلالة بهديت ، وما كان إعطاء بأهديت. ثم قال : إن قيل : كيف جعلت الهداية دلالة بتلطّف ، وقد قال تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ)؟ ثم أجاب أنّه من باب التهكّم كقوله تعالى : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) ، وقول الشاعر (٦) : [من الوافر]

تحية بينهم ضرب وجيع

قال : وهداية الله تعالى للإنسان على أربعة أضرب : الأول ، الهداية التي عمّ بها كلّ مكلّف ، من العقل والفطنة والمعارف الضّرورية ، بل عمّ بها كلّ شيء بقدر فيه حسب احتماله كقوله تعالى : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(٧). الثاني ، الهداية التي جعل للناس بدعائه إياهم على ألسنة الأنبياء وإنزال القرآن ونحو ذلك ، وهو المقصود بقوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا)(٨). الثالث ، التّوفيق الذي يختصّ به من اهتدى ، وهو المعنيّ بقوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٩). وقوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)(١٠). الرابع ، الهداية في الآخرة إلى الجنة ، وهو المعنيّ بقوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي

__________________

(١) ٥٦ / القصص : ٢٨.

(٢) ٥٢ : الشورى : ٤٢.

(٣) ١٢ / الليل : ٩٢.

(٤) ١٠ / طه : ٢٠.

(٥) المفردات : ٥٣٨.

(٦) تكرر ، بنصب «تحية» ، وهو من شواهد المفردات.

(٧) ٥٠ / طه : ٢٠.

(٨) ٧٣ / الأنبياء : ٢١.

(٩) ١٧ / محمد : ٤٧.

(١٠) ١١ / التغابن : ٦٤.

٢٨٣

هَدانا لِهذا)(١) قال (٢) وهذه الهدايات الأربع مرتّبة ؛ فمن لم تحصل له الأولى لم تحصل له الثانية ، بل لا يصحّ تكليفه. ومن لم تحصل له الثانية لم تحصل له الثالثة والرابعة. ومن حصلت له الرابعة فقد حصل له الثلاث التي قبلها. ومن حصل له الثلاث فقد حصل له اللتان قبلها ، ثم لا تنعكس (٣) ؛ وقد تحصل الأولى ولا يحصل الثاني ، ويحصل الثاني ولا يحصل الثالث. والإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلا بالدّعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات.

وإلى الأولى أشار بقوله : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) وإلى سائر الهدايات أشار بقوله : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) قال : وكلّ هداية ذكر الله تعالى أنّه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة التي هي التوفيق الذي يختصّ به المهتدون. والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنّة (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ) إلى قوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٤).

قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى)(٥) أي أنّ الله تعالى هو الذي يهدي خلقه إلى الحقّ ، فهو أحقّ بالاتباع ممّن لا يهدي أن يهتدي بنفسه. يقال : هدى بنفسه يهدي ـ مخفّفا ـ بمعنى اهتدى يهتدي ، نحو شرى يشري بمعنى اشترى يشتري. إلا أن «يهدي» إلى طريق يسلكها أو عمل يرشده إليه. وهذا استفهام توبيخ لهم على ما اتّخذوه من دون الله إلها يعبد ، وإن كان من أشرف الناس وخيرهم كالمسيح وعزير والملائكة. يعني أنّ الله وحده هو الذي يهدي كلّ أحد ، وغيرهم لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله.

وقيل : معنى : (لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ)(٦) ، أي لا يصلح. فاستعار الهداية

__________________

(١) ٤٣ / الأعراف : ٧.

(٢) يريد الراغب.

(٣) وفي مطبوعة المفردات ، من غير «لا».

(٤) ٨٦ / آل عمران : ٣.

(٥) ٣٥ / يونس : ١٠.

(٦) ٥٢ / يوسف : ١٢.

٢٨٤

للإصلاح ، وهذا كقوله : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)(١) والمعنى لا يوفّقهم لعمل أهل الخير. قوله : (وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ)(٢) أشار به إلى من هداه الله بالتّوفيق المذكور في قوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً)(٣) قال بعضهم : الهداية والهدى في موضوع اللغة واحد ، ولكن خصّ الله تعالى لفظ الهدى بما تولّاه وأعطاه. واختصّ به هو دون ما هو إلى الإنسان ، نحو : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)(٤).

والاهتداء : يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار ؛ إمّا في الأمور الدّنيوية أو الأخروية كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(٥) ، فهذا يجوز أن يكون للهدايتين ، لأنّهم يهتدون بها في أسفارهم وإلى الجهة التي يتعبّدون إليها لله تعالى.

ويقال أيضا : اهتدى إذا طلب الهداية. ومنه : (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)(٦). وإذا تحرّاها أيضا. ومنه : (وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(٧) أي تتحرّون هدايتكم فيهما. والاهتداء أيضا : الاقتداء بالعلماء. ومنه قوله تعالى : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)(٨) منبهة على أنّهم لا يعلمون بأنفسهم ، ولا يقتدون بمن يعلم. وقوله : (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ)(٩). هذا يتناول وجوه الاهتداء المتقدّمة بأسرها من طلب الهداية وتحرّيها والاقتداء بالعلماء.

وقيل في قوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(١٠)

__________________

(١) ٨١ / يونس : ١٠.

(٢) ١٤٣ / البقرة : ٢.

(٣) ١٧ / محمد : ٤٧.

(٤) ٢ / البقرة : ٢.

(٥) ٩٧ / الأنعام : ٦.

(٦) ٥٦ / الأنعام : ٦.

(٧) ٥٣ / البقرة : ٢.

(٨) ١٠٤ / المائدة : ٥.

(٩) ٤١ / الزمر : ٣٩.

(١٠) ٨٢ / طه : ٢٠.

٢٨٥

أي ثمّ أدام طلب الهداية ، ولم يفتر عن تحرّيها. ولم يرجع إلى المعصية. وفي قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(١) أي تحرّوا الهداية وقبلوها وعملوا بها ولم يخلّوا بشرائطها. قوله تعالى : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً)(٢) ، الهدي : ما يهدى إلى البيت الحرام من الأنعام. والهديّة : مختصة باللطف الذي يهدي بعضنا لبعض. قال تعالى : (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ)(٣). وفيه لغتان : هديّ وهدي. قال الهرويّ : الهديّ والهدي لغتان وهما ما يهدى لبيت الله تعالى من بدنة وغيرها ، وهذا أعمّ ممّا ذكرناه أولا ، والواحد هديّة وهدية. وقال الفراء : أهل الحجاز وبنو أسد يخفّفون الهدي ، وتميم وسفلى قريش (٤) يثقلون الياء. وأنشد الفرزدق (٥) : [من الوافر]

حلفت بربّ مكّة والمصلّى

وأعناق الهديّ مقلّدات

قال : ويقال في جمع الهدي أهداء ، وفي جمع الهديّ هدى. ويقال للأنثى أيضا هدي وهدي ، نصّ عليه الأخفش وكأنّه في الأصل مصدر وصف به. وهذا ظاهر في المخففة الياء. وقال الراغب (٦) : والهديّ يقال في الهدي. وفي العروس يقال : ما أحسن هدية فلان! وقال أبو بكر : سمّيت الإبل هديّا لأنّ منها ما يهدى إلى البيت. وفي الحديث (٧) : «هلك الهديّ ومات الوديّ» ، أي هلكت الإبل ويبست النّخيل.

والهدي : الطريق ؛ يقال : ما أحسن هدي فلان! أي طريقه. وفي الحديث : «إنّ أحسن الهدي هدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٨). وفي حديث آخر : «كنّا ننظر إلى هديه ودلّه» (٩) أي طريقه وهباته. وفي آخر : «اهدوا هدي عمار» (١٠) أي سيروا بسيرته وفي الحديث : «خرج

__________________

(١) ١٥٧ / البقرة : ٢.

(٢) ٢٥ / الفتح : ٤٨.

(٣) ٣٥ / النمل : ٢٧.

(٤) وفي اللسان أن ثعلبا قال : ... وسفلى قيس ـ مادة هدي ، ويؤيده ابن الأثير في النهاية : ٥ / ٢٥٤.

(٥) مطلع قصيدة في ديوانه : ١٢٧. ومن عادتهم أن يقلدوا الهديّ بالنعال.

(٦) المفردات : ٥٤٢.

(٧) وفي الأصل : وفي البيت. والحديث لطهفة في صفة السنة كما في النهاية : ٥ / ٢٥٤.

(٨) النهاية : ٥ / ٢٥٣.

(٩) المصدر السابق.

(١٠) المصدر السابق.

٢٨٦

من مرضه يهادى بين اثنين» (١) أي يعتمد عليهما متمايلا في ضعفه. وأصله من تهادت المرأة : إذا تمايلت في مشيها ، كأنّهم شبّهوها بالهدي في مشيه. ومن فعل ذلك بغيره يقال له المهادي وغيره المهادى بالفتح ، والمهداء (٢) بالقصر مهموز : الطبق الذي يهدى عليه. والمهدى بالمدّ : الكثير الهدية. وأنشد (٣) : [من الطويل]

وإنّك مهداء الخنا نطف الحشا

فصل الهاء والراء

ه ر ب :

قوله تعالى : (وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً)(٤) الهرب : الذهاب بسرعة عن خوف. يقال : هرب الرجل هربا فهو هارب وهرّبه غيره. وقال يعقوب : أهرب الرجل ، أي جدّ في الذهاب. وفي الحديث : «ما لعيالي هارب ولا قارب» (٥) أي لا صادر عن الماء ولا وارد ، أخبر أنّهم لا شيء لهم.

ه ر ت :

قوله تعالى : (هارُوتَ وَمارُوتَ)(٦) هما ملكان ـ بالفتح ـ وقيل : ملكان ـ بالكسر (٧) ـ وقد قرىء بذلك ، لهما قصة مشهورة الله أعلم بصحتها. ونقل الراغب (٨) عن بعض المفسرين أنهما اسما (٩) شيطانين من الجنّ أو الإنس. قال : وجعلهما نصبا بدلا من

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٥٥.

(٢) وفي المفردات : المهداء ... والمهدى.

(٣) المفردات : ٥٤٢.

(٤) ١٢ / الجن : ٧٢.

(٥) النهاية : ٥ / ٢٥٧ ، قاله رجل.

(٦) ١٠٢ / البقرة : ٢.

(٧) الكلمة ساقطة من ح.

(٨) المفردات : ٥٤٢.

(٩) الكلمة ساقطة من ح.

٢٨٧

الشياطين ؛ بدل البعض من الكلّ. كقولك : القوم قالوا : زيد وعمرو. انتهى. وفي جعلهما بدلا من الشياطين نظر لا يخفى من حيث إنّ النحويين نصّوا على أنّه يمتنع البدل في نظيره لعدم المطابقة ، وأوجبوا القطع حينئذ ، وجعلوا من ذلك قول النابغة الذبياني (١) : [من الطويل]

توهّمت آيات لها فعرفتها (٢)

لستّة أعوام وذا العام سابع

رماد ككحل العين لأيا أبينه (٣)

ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع

قالوا : فرفع «رماد ونؤي» على إضمار مبتدأ ، ولم ينصبا بدلا من آيات لعدم المطابقة ، وهذا له موضع تحقّق فيه (٤). وقوله فيه : إنه يدلّ على بعض من كلّ كالجواب عن الاعتراض الذي ذكرته ، لكنه لا يصحّ لما قدّمته من نصّ النحويين. قيل : واشتقاق اللفظة من الهرت وهو سعة الشّدق. ومنه قولهم : فرس هريت الشّدق. وأصله من هرت ثوبه : إذا شقّه فاتّسع. ومنه الحديث : «أكل كتفا مهرّتة» (٥) أي ممزّقة من النضج. وقيل : إنما هو «مهرّدة». قال الكسائيّ : يقال : لحم مهرّد : إذا نضج. والمهرّأة مثله. قلت : فيجوز أن تكون الدال هي الأصل ، والتاء مبدلة منها لتقاربها. ولذلك حكي : هرد ثوبه وهرته : إذا شقّه. وعندي أنّ ادّعاء الاشتقاق في هاروت من ذلك لا يصحّ لما قدّمته غير مرة من أنّ الإشتقاق لا مدخل له في الأعجميات (٦). وهذا نظير ما فعلوه في إبليس وآدم ويعقوب ونحوها.

ه ر ع :

قوله تعالى : (يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ)(٧) أي يساقون سوقا بعنف. وقال ثعلب : يستحثون.

__________________

(١) الديوان : ٤٣.

(٢) توهمت : تفرّست.

(٣) ورواية الديوان : ما إن تبينه ، وجاءت فيه كذلك رواية النص. جذم الحوض : باقيه وأصله. خاشع : لاط بالأرض. أثلم : مكسّر. (الديوان : ٤٣).

(٤) على أنه يجوز أن يكونا بدلا من «آيات» التي هي علامات ، فمنها رماد ، ومنها نؤي ...

(٥) النهاية : ٥ / ٢٥٧.

(٦) يجوز الاشتقاق من الأعجميات إذا جاءت الألفاظ على وزان العرب مثل تزندق من زنديق.

(٧) ٧٨ / هود : ١١.

٢٨٨

وقال غيره : يسرعون في فزع. ومنه قوله تعالى : (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ)(١) أي يتبعونهم مسرعين. قيل : كانوا يزعجون من الإسراع. يقال : هرع وأهرع : إذا استحثّ. وهذه معان متقاربة. ويقال : هرّعه وأهرعه : ساقه سوقا بعنف وتخويف. وهرع برمحه فتهرّع : إذا أشرعه سريعا. والهرع : السّريع المشي ، والبكاء ، وهو الهريع. والهرعة : القملة الصّغيرة. كأنّهم توهّموا فيها السّرعة والخفّة.

ه ر ن :

قوله تعالى : (وَهارُونَ)(٢) هو اسم النبيّ العلم المشهور أخو موسى صلوات الله وسلامه عليهما وعلى سائر الأنبياء. قال الراغب (٣) : هو اسم أعجميّ ، ولم يرد في شيء من كلام العرب. يعني لم ترد هذه المادّة في لغتهم.

فصل الهاء والزاي

ه ز أ :

قوله تعالى : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً)(٤) الهزوّ : الاستخفاف. يقال : استهزأ به يستهزىء ، أي استخفّ به. وقال بعضهم : الهزء مزح في خفية. وقد يقال لما هو كالمزح. فمن الأول قوله تعالى : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً). ويقال : هزئت واستهزأت. قال الراغب (٥) : الاستهزاء : ارتياد الهزؤ وإن كان قد يعبّر به عن تعاطي الهزؤ كالاستجابة في كونها ارتيادا للإجابة ، وإن كانت قد تجري مجرى الإجابة. قول تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ)(٦). وقوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٧) من باب المقابلة ، وإلا فحقيقة الاستهزاء على الله محال. وقيل :

__________________

(١) ٧٠ / الصافات : ٣٧.

(٢) ١٦٣ / النساء : ٤ ، وغيرها.

(٣) المفردات : ٥٤٢.

(٤) ٦٧ / البقرة : ٢.

(٥) المفردات : ٥٤٢.

(٦) ٦٥ / التوبة : ٩.

(٧) ١٥ / البقرة : ٢.

٢٨٩

إنه عبّر عن إمهاله لهم وازدراء رزقه عليهم ، وأخذهم بعد ذلك بغتة بالاستهزاء. ويقال : إنّ الاستهزاء الانتقام. وأنشد : [من الطويل]

قد استهزؤوا منّا بألفيّ مذحج

سراتهم وسط الضّخاضخ جثّم

قيل : فعلى هذا لا يحتاج إلى تأويل. ويدلّ عليه أنه تعدّى عن أن يقال : هزأت منه وبه. ومنه قول الشاعر : [من الرجز]

قد هزأت مني أمّ طيله

قالت : أراه معدما لا مال له

والاستهزاء في البيت إنما معناه الاستخفاف والسّخرية أو كونه بمعنى الانتقام بعيد التأويل ، أي انتقمت مني بهذا القول. ويروى أنه يفتح للكفرة باب من الجنة فإذا قاربوها أغلق ، فذلك الاستهزاء بهم. وقد قرىء قوله : (أَتَتَّخِذُنا هُزُواً) بسكون العين وضمّها وبالواو (١) حسبما بينّا ذلك في «العقد».

ه ز ز :

قوله تعالى : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ)(٢) الهزّ : التحريك بشدّة ؛ يقال : هزّه يهزّه ، وهزّ الرمح فاهتزّ. واستعير ذلك في قولهم : هززت فلانا للعطاء ، أي حرّكته بما ذكرته له من المكارم والمآثر. وقوله تعالى : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌ)(٣) إشارة إلى شدّة حركتها واضطرابها ، وأنّها فاقت أبناء جنسها في حركتها ونشاطها. وقوله : (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)(٤) أي تحرّكت حركة شديدة تشقّها عن نباتها وأزهارها بسبب إنزالها الماء بعد أن كانت على عكس هذه الصّفة قبل ذلك.

واهتزّ الكوكب في انقضاضه. وسيف هزهاز. ورجل هزهز : خفيف. وكذلك ماء هزهز. قيل : وهو يتعدّى بنفسه وبالباء ؛ يقال : هززته وهززت به ، كما يقال : أخذ الحطام وبالحطام ، وتعلّق زيدا وبزيد. وهزّ عطفه : كناية. وفي الحديث : «اهتزّ عرش الرحمن

__________________

(١) لم يذكرها الفراء ولا ابن خالويه.

(٢) ٢٥ / مريم : ١٩.

(٣) ١٠ / النمل : ٢٧.

(٤) ٥ / الحج : ٢٢.

٢٩٠

لموت سعد» (١) أي ارتاح بروحه حين صعد به. وقيل : هو على حذف مضاف ؛ أي أهل عرش الرحمن.

ه ز م :

قوله تعالى : (فَهَزَمُوهُمْ)(٢) أي كسروهم وطرودهم. وأصل الهزم الكسر. ومنه ... (٣) متهزّم ، أي متكسّر بعضه على بعض. وهزمت البئر : حفرتها. وبئر هزيمة ، أي كسر جبلها (٤) حتى فاض ماؤها. وصار الهزم متعارفا في فرار الجيش من الغلبة. وفي الحديث : «زمزم هزمة جبريل» (٥) أي ضربها برجله. وقصب متهزّم ومنهزم (٦) ، أي متكسّر. وسمعت هزمة الرعد ، أي صوته الذي يكاد يشقّ القلوب. وفي الحديث : «فاجتنبوا هزم الأرض فإنّها مأوى الهوامّ» (٧) يعني ما تشقّق منها فلا تنتابونه لحاجتكم. وفي الحديث أيضا : «أوّل جمعة جمّعت في الإسلام في هزم بني بياضة» (٨). وقال بعض اللغويين : أصل الهزم غمز الشيء اليابس حتى ينحطم كهزم الشّنّ (٩) ، وهزم القثّاء والبطّيخ. قال : ومنه الهزيمة لأنّه كما يعبّر عنه بذلك يعبّر عنه بالحطم والكسر. وأصابته هازمة الدّهر ، أي مصيبته التي تكسر صاحبها. وهزم الرعد : تكسّر صوته. والمهزام : عود يجعل في رأسه نار يلعب به الصّبيان ، كأنّهم يهزمون به بعضهم.

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٦٢.

(٢) ٢٥١ / البقرة : ٢.

(٣) بياض في الأصل.

(٤) وفي الأصل : حبلها ، بالحاء.

(٥) النهاية : ٥ / ٢٦٣.

(٦) من قولهم : تهزّمت العصا وانهزمت.

(٧) النهاية : ٥ / ٢٦٣. والمعنى : ما تهزّم منها ، ويجوز أن يكون جمع هزمة وهو المتطامن من الأرض.

(٨) المصدر السابق ، وهو موضع بالمدينة.

(٩) وفي الأصل : الشيء ، وهو سبق قلم.

٢٩١

فصل الهاء والشين

ه ش ش :

قوله تعالى : (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي)(١) أي أخبط الشّجر ليتناثر ورقه فترعاه الغنم. يقال : هشّ يهشّ ، أي فعل ذلك. وهشّ للمعروف يهشّ ـ بالفتح ـ أي ارتاح. وفي حديث عمر : «فهششت يوما فقبّلت وأنا صائم» (٢) ، أي فرحت. ويقال : هاش بمعنى هشّ. وأنشد للراعي (٣) :

فكبّر للرّؤيا وهاش فؤاده

وبشّر نفسا كان قبل يلومها

وقال الراغب (٤) : الهشّ يقارب الهزّ بالشيء اللين. وناقة هشوش : لينة غزيرة (٥) ضدّ الصّلود التي لا تكاد تعرق. ورجل هشّ ، أي طلق المحيّا. وقد هششت ، أي فرحت.

ه ش م :

قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ هَشِيماً)(٦) أي فتاتا متكسّرا ، من هشمت الشيء ، أي فتّتته. ومنه هشيم الثّريد ، وبه سمّي هاشم (٧). وأنشد :

عمرو الذي هشم الثّريد لقومه

ورجال مكّة مسنتون عجاف

والهاشمة : أحدّ الشّجاج ، لهشمها العظم. قوله : (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)(٨) أي لمّا هلكوا صاروا مثل حطام النبات الذي يتّخذه الراعي حظيرة في كونه هشيما متكسّرا. ولله درّ

__________________

(١) ١٨ / طه : ٢٠.

(٢) النهاية : ٥ / ٢٦٤.

(٣) اللسان ـ مادة هشش. وهاش : فرح.

(٤) المفردات : ٥٤٣ ، باختصار.

(٥) يريد : غزيرة اللبن.

(٦) ٤٥ / الكهف : ١٨.

(٧) الجوهرة في نسب النبي : ١ / ٢٧. وفي المفردات : عمرو العلا. وعزا التلمساني البيت إلى شاعر من قريش ، أو من بعض العرب.

(٨) ٣١ / القمر : ٥٤. المحتظر : صانع الحظيرة لمواشيه من هذا الشجر.

٢٩٢

القرآن ما أبلغ تشبيهاته! واهتشم (١) كلّ ما في ضرع الناقة ، أي امتصّه.

فصل الهاء والضاد

ه ض م :

قوله تعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً)(٢) أي نقصا. وفي التفسير : لا يخاف أن يظلم فيحمل ذنب غيره ، ولا يهتضم فينقص من حسناته. ومنه دواء يهضم الطعام ، أي ينقص ثقله. ويقال : هضمته ، واهتضمته ، وتهضّمته ، أي نقصته حقّه. وأنشد للمتوكل الليثي : [من الكامل]

إنّ الأذلّة واللئام لمعشر

مولاهم المتهضّم المظلوم

قيل : والظلم والهضم متقاربان. وفرّق الماورديّ فقال : الظّلم منع جميع الحقّ ، والهضم منع بعضه. وعن بشر بن المفضّل ، وقد قال لابنه : «لم تشرب النبيذ؟ فقال : إنما أشرب القدح والقدحين لينهضم طعامي. قال : والله لدينك أهضم».

قوله تعالى : (وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ)(٣) قال أبو عبد الله : هو المنضمّ (٤) في وعائه قبل أن يظهر. ومنه : رجل أهضم الجنبين ، أي منهضمهما. هذا قول اللغويين ، وفسّره مجاهد : أي يتهشّم تهشّما. وقول أهل اللغة أوفق لمعنى الآية. وقال أبو القاسم (٥) : الهضم : شدخ ما فيه رخاوة ؛ يقال : هضمته فانهضم ، كالقصبة المهضومة التي يزمّر بها. ومزمار مهضم. وقوله : «طلعها هضيم» أي داخل بعضه في بعض ، كأنما شدخ. قلت : وفي هذا الكلام جمع بين قول أهل اللغة وقول مجاهد.

والهاضوم : ما يهضم الطعام. وبطن هضوم ، وكشح مهضم ، وامرأة هضيمة. واستعير الهضم للظّلم ، قال تعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً).

__________________

(١) في ح : انهشم ، وفي س : اتهشم. والتصويب من المفردات : ٥٤٣.

(٢) ١١٢ / طه : ٢٠.

(٣) ١٤٨ / الشعراء : ٢٦.

(٤) وفي س : النضيم.

(٥) يريد الراغب ، المفردات : ٥٤٣.

٢٩٣

فصل الهاء والطاء

ه ط ع :

قوله تعالى : (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ)(١) أي مسرعين. يقال : أهطع يهطع إهطاعا ، فهو مهطع ، أي سريع الإجابة لداعي ربّ العالمين. وقال ثعلب : المهطع الذي ينظر في ذلّ وخشوع لا يقلع بصره. يقال : هطع الرجل ببصره : إذا صوّبه. وبعير مهطع : إذا صوّب عنقه ، والظاهر الأول لقول الشاعر : [من البسيط]

إذا دعانا فأهطعنا لدعوته

داع سميع فلبّونا (٢) وساقونا

فهذا بمعنى أسرعنا. ويقال : هطع وأهطع. وقال الأخفش : الإهطاع هو الإقبال على الإصغاء. وأنشد (٣) : [من الوافر]

بدجلة دارهم ولقد أراهم

بدجلة مهطعين إلى السّماع

فصل الهاء واللام

ه ل ع :

قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً)(٤) قيل : مفسّرة بما بعده. وعن ثعلب : سألني محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع؟ قلت : قد فسّره الله تعالى ، ولا يكون أبين من تفسيره ؛ وهو الذي إذا ناله شرّ أظهر شدّة الجزع ، وإذا ناله خير بخل به ومنع. وقيل : هو الفزع والاضطراب الشديد ، من قولهم : ناقة هلواع ، أي سريعة السّير. وقيل : «هلوعا» ضجورا لا يصبر على المصائب. وقيل : هو الذي يفزع ويجزع من الشرّ ويحرص ويشحّ على المال.

__________________

(١) ٨ / القمر : ٤٥.

(٢) وفي الأصل : فلعونا ، ولعلها كما قرأنا.

(٣) البيت لابن مفرغ الحميري كما في تاج العروس واللسان ـ مادة هطع. وفيهما : بدجلة أهلها.

(٤) ١٩ / المعارج : ٧٠.

٢٩٤

وفي الحديث : «من شرّ ما أعطي العبد شحّ هالع وجبن خالع» (١) الهلع أشدّ الجزع. والمعنى شحّ (٢) يحزنه وجبن يخلع قلبه.

ه ل ك :

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)(٣) أي لوقت هلاكهم. وقرىء بكسر اللام وفتحها مع ضمّ الميم ، أي لوقت إهلاكهم. قال بعضهم : الهلاك على أربعة أوجه : أحدها افتقاد الشيء عنك وهو موجود عند غيرك. ومنه : (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)(٤). والثاني هلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ)(٥). والثالث الموت ، نحو : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ)(٦) ، و (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)(٧) ، (حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ)(٨). قال الراغب (٩) : لم يذكر الله تعالى الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذّمّ إلّا في هذا الموضع. يعني (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ). وفي قوله : (حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً). الرابع بطلان الشيء من العالم وعدمه رأسا ، وذلك هو المسمّى فناء كقوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)(١٠).

وقد يطلق الهلاك على العذاب والخوف والفقر ونحوها لأنها أسبابه كقوله تعالى : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ) أي عذبناها. وقوله تعالى : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(١١) أي يعذّب عذاب استئصال ، وهو الهلاك الأكبر الذي أشار إليه عليه الصلاة والسّلام بقوله :

__________________

(١) النهاية : ٥ / ٢٦٩.

(٢) ساقطة من س.

(٣) ٥٩ / الكهف : ١٨.

(٤) ٢٩ / الحاقة : ٦٩.

(٥) ٢٠٥ / البقرة : ٢.

(٦) ١٧٦ / النساء : ٤.

(٧) ٢٤ / الجاثية : ٤٥.

(٨) ٣٤ / غافر : ٤٠.

(٩) المفردات : ٥٤٤.

(١٠) ٨٨ / القصص : ٢٨.

(١١) ٣٥ / الأحقاف : ٤٦.

٢٩٥

«لا شرّ كشرّ بعده النار» (١). قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(٢). قيل : التّهلكة ما يؤدي إلى الهلاك. والهلوك : المرأة المتمايلة في مشيها ، كأنها تتهالك في مشيها ، كما قال الشاعر (٣) : [من الطويل]

مريضات أوبات التّهادي كأنّما

تخاف على أحشائها أن تقطّعا

(وكنّي عن الفاجرة بالهلوك لتمايلها. والهلك : الهلاك والشيء الهالك أيضا. ومن الأول قول الشاعر (٤) : [من الطويل]

فما كان قيس هلكه هلك واحد

ولكنّه بنيان قوم تهدّما (٥)

والهالكيّ : الحدّاد ، وأصله من قبيلة هالك ، فسمّي كلّ حداد هالكيا. وفي حديث أبي هريرة : «إذا قال الرجل : هلك الناس ، فهو أهلكهم» (٦) يروى برفع الكاف على أنّه اسم خبر لمبتدأ ، أو بفتحها على أنه فعل ماض في موضع الجرّ. ومعنى الرواية الأولى : إذا فعل ذلك هو أكثرهم هلاكا ، وإذا كان كذلك كان (٧) أيأسهم لله تعالى.

ه ل ل :

قوله تعالى : (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ)(٨) أي صرّح باسم غير الله عند ذبحه كما كانت الجاهلية يفعلون عند ذبح نسائكهم فيقولون : باسم اللات ، باسم العزّى. والإهلال : رفع الصوت. ومنه استهلّ الصبيّ. (ومنه : «لا يورث الصبيّ حتّى يستهلّ صارخا» (٩)) (١٠).

__________________

(١) المفردات : ٥٤٥.

(٢) ١٩٥ / البقرة : ٢.

(٣) المفردات : ٥٤٥.

(٤) البيت لعبدة بن الطبيب ، كما في شرح المفصل : ٨ / ٥٥. وفي الأصل : تقدما.

(٥) ما بين قوسن ساقط من ح.

(٦) النهاية : ٥ / ٢٦٩.

(٧) الكلمة ساقطة من ح.

(٨) ١٧٣ / البقرة : ٢.

(٩) النهاية : ٥ / ٢٧١ ، «لم يرث ولم يورث».

(١٠) ما بين قوسين ساقط من س.

٢٩٦

وأهلّ بالحجّ : إذا رفع صوته بالتّلبية به. قيل : وأصل ذلك من الهلال ، لأنهم إذا رأوه صرخوا برؤيته ، ورفعوا أصواتهم بها (١).

قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ)(٢) هي جمع هلال ، وأفعلة يلزم في (٣) فعال وفعال معتلّي اللام أو مضعّفين ، نحو خباء وأخبية ، وزمام وأزمّة. وقد ندر عنان وعنن (٤) وحجاج وحجج حسبما بيّناه في غير هذا الموضوع. قيل : ولا يقال : هلال إلّا لأول ليلة والثانية ، ثم هو قمر بعد ذلك. قال الراغب (٥) : ولا يقال له هلال. وقال الهرويّ : والقمر إذا بدا رقيقا في أول الشهر يقال له في الثلاث الأول هلال ، وهذا مخالف لما قدّمته. وقال أبو الهيثم : يقال له هلال لليلتين من أول الشهر ولليلتين من آخره ، وما بين ذلك فهو قمر. وقال الأصمعيّ : يقال له هلال إلى أن يحجّر ، ويحجّر إلى أن يستدير له كالخيط الرقيق. وقيل : يسمّى هلالا إلى أن يقهر ضوؤه سواد الليل. قالوا : وذلك إنما يكون في سبع ليال. قيل : والهلال مصدر في الأصل ، سمّي به هذا الكوكب ، فيقال : هلّ الهلال هلالا. ويقال : أهلّ الهلال واستهلّ ، مبنيين للفاعل تارة وللمفعول أخرى. ومن الأولى قول الشاعر (٦) : [من الوافر]

وشهر مستهلّ بعد شهر

وحول بعده حول جديد

ويقال : أهللناه واستهللناه. ويقال له بدر من الثالثة عشر إلى الرابعة عشر. قال أبو العباس : إنما قيل له هلال لأنّ الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه.

ومن أسمائه الزّبرقان. ودارته التي حوله يقال لها الهالة ، وضوؤه يقال له الفخت وظلّه السّمر. ولذلك سمّي المتحدّثون في ضوئه سمّارا ، ثمّ أطلق ذلك على كلّ متحدّث ليلا.

__________________

(١) يريد بقولهم : لا إله إلا الله.

(٢) ١٨٩ / البقرة : ٢.

(٣) الحرف ساقط من س.

(٤) وفي ح : عنين ، و س : أعنن.

(٥) المفردات : ٥٤٤.

(٦) اللسان ـ مادة هلل ، وفيه : ويوم بعده يوم جديد.

٢٩٧

وانهلّ المطر انصبّ انصبابا شديدا. والمطر يسمّى هللا وأهلولا. وأنشد لامرىء القيس (١) : [من مجزوء الوافر]

لمن زحلوقة زلّ

بها العينان تنهلّ؟

ه ل :

قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ)(٢) هل : في الأصل حرف استفهام بمعنى الهمزة ، وبينهما ، فرق ، وقد ذكرته في غير هذا الموضع. وقيل : معناها هنا : قد أتى. واستشهد بدخول حرف الاستفهام عليها في قول الشاعر (٣) : [من البسيط]

سائل فوارس يربوع بجملتها

أهل رأونا بوادي القفّ ذي الأكم؟

وقيل : هي على بابها من الاستفهام ، وتقدير القولين في «الدرّ المصون». وتأتي بمعنى النّهي كقوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ)(٤) أي انتهوا ، ونفيا كقوله تعالى : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(٥) أي ما يهلك. قال بعضهم : وتكون شرطا ، وتكون تنبيها وتبكيتا.

__________________

(١) عزاه المؤلف لامرىء القيس ، وليس له في ديوانه. وعزاه ابن منظور إلى شاعر. مادة زلل. ويروى : زحلوفة (بالفاء). والزحلوقة : آثار تزلج الصبيان من فوق إلى أسفل.

(٢) ١ / الإنسان : ٧٦.

(٣) البيت لزيد الخير كما في شرح المفصل : ٨ / ١٥٣ ، ومذكور في مغني اللبيب : ٣٥٢ من غير غزو ، وفيهما :

سائل فوارس يربوع بشدّتنا

أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم؟

ويربوع : أبو حي من تميم. وهو من شواهد النحو بدخول الهمزة على هل.

(٤) ٩١ / المائدة : ٥.

(٥) ٣٥ / الأحقاف : ٤٦.

٢٩٨

ه ل م (١) :

قوله تعالى : (هَلُمَّ إِلَيْنا)(٢) هلمّ بمعنى إئت. وتكون اسم فعل عند أهل الحجاز ، وفعلا عند تميم. فعلى الأولى لا يبرز معها ضمير تثنية ولا جمع ، بل يستوي لفظها في ذلك. وبهذه اللغة نزل القرآن. وعلى الثانية يبرز معها ذلك فيقال : هلمّا ، هلمّوا ، هلممن. واختلف فيها هل هي مركبة أم لا؟ ومن قال بتركيبها اختلفوا أيضا فقيل : أصلها هالمّ ؛ ها للتنبيه ولمّ فعل أمر بمعنى أصلح ، فحذفت ألف ها تخفيفا وركّبا. وحدث فيها معنى الأمر بالإسراع. وقيل : أصلها هل أمّ ؛ هل استفهام وأمّ أمر من أمّ ، أي قصد. والأصل هل لك ذلك في كذا؟ فأمّه أي اقصده ، فركّبا ، وحدث ذلك المعنى. وقد حقّقت ذلك في غير هذا.

فصل الهاء والميم

ه م د :

قوله تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً)(٣) أي جافّة يابسة لا نبات بها. وأصل الهمود السكون والخشوع والبلى. ومنه : همد الثوب ، أي بلي. وأنشد للأعشى (٤) : [من الكامل]

قالت قتيلة : ما لجسمك شاحبا

وأرى ثيابك باليات همّدا؟

وهمدت النار : طفئت. والإهماد أيضا : الإقامة ، كأنه صار ذا همد. وقيل : الإهماد :

__________________

(١) جاء في هامش الورقة ٤١٤ / ح : «هلم جرّا. قال الشيخ زكريا الأنصاري في حاشية. جمع الجوامع : الأحسن فيه ما قاله العلامة جمال الدين ابن هشام بعد اطلاعه على كلام غيره فيه. ويوقفه في أنه عربي أن معنى هلمّ تعال لا بمعنى المجيء الحيني ، ولا بمعنى الطلب حقيقة بل بمعنى الاستمرار على الشيء أو بمعنى الخبر ، وعبر عنه بالطلب كما في قوله تعالى : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ)(فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا). وجرّا مصدر جرّه إذا سحبه ببقائه مصدرا ، أو جعله حالا مؤكدة. وليس المراد الجرّ الحسي بل التعميم كما في السحب في قولهم : هذا الحكم منسحب على كذا ، أي شامل له. يقال : كان ذلك عام كذا وهلمّ جرّا ، أي واستمر ذلك في بقية الأعوام. انتهى».

(٢) ١٨ / الأحزاب : ٣٣.

(٣) ٥ / الحج : ٢٢.

(٤) الديوان : ٢٢٧ ، وفيه : لجسمك سايئا.

٢٩٩

السرعة. قال الراغب (١) : فإن يكن ذلك صحيحا فهو كالإشكاء في كونه تارة لإزالة الشكوى وتارة لإثبات الشّكوى ، يعني في قولهم : أشكيته يجوز أزلت شكايته ، ويجوز صيّرته ذا شكاية. وفي الحديث : «حتّى كاد يهمد من الجوع» (٢) أي يهلك (٣). فعبّر عن الهلاك بلازمة ، وهو سكون الحركة.

ه م ر :

قوله تعالى : (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ)(٤) الهمر : صبّ الماء والدّمع. يقال : همرت الماء فانهمر ، وهمرت الدمع ، وهمرت ما في ضرع الشاة من اللبن ، أي حلبته كلّه. وهمر الرّجل في كلامه ، أي أكثر الرّجل ، فهو مهمار ، نحو مضراب. وفلان يهامر الشيء ، أي يجرفه. ومنه : همر له من ماله ، أي أعطاه بكبش. وقال الشاعر : [من الرجز]

راح بمرية الصّبا ثم انتحى

فيه شآبيب (٥) جنوب منهمر

ه م ز :

قوله تعالى : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ)(٦) الهمز كالعصر ، ومنه : همزت الشيء في كفّي ، أي عصرته. ثم عبّر به عن الاغتياب. والهمزة : الكثير الهمز كالهمّاز في قوله : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)(٧). وعن ابن الأعرابيّ : الهماز : المغتاب بالغيب ، واللّمّاز : المغتاب بالحضرة. قال الشاعر (٨) : [من البسيط]

وإن اغتيب فأنت الهامز اللّمزه

__________________

(١) المفردات : ٥٤٥.

(٢) النهاية : ٥ / ٢٧٣.

(٣) وفي الأصل : هلك.

(٤) ١١ / القمر : ٥٤.

(٥) وفي الأصل : شؤبوب ، ولعل ما ذكرناه مناسب للوزن.

(٦) ١ / الهمزة : ١٠٤.

(٧) ١١ / القلم : ٦٨.

(٨) الشطر في المفردات : ٥٤٦. وهو عجز في اللسان ـ مادة همز ، مع اختلاف :

إذا لقيتك عن شحط تكاشرني

وإن تغيّبت كنت الهامز اللّمزه

٣٠٠